قصة تأسيس مؤسستنا
أسماءٌ سرقتها الحرب
“دخل أحد الجنود بمظهر عدائي وأشار بقوله إنه سيطلق النار على أي شخص ينزل من الحافلة. حتى عندما كنتُ تحت القصف في حلب، لم أشعر قط أنني اقتربتُ من الموت لهذا الحدّ. والآن كانوا بجوارنا مباشرة. وكنت أدعوا الله من أجل الخلاص. لقد انتظرنا لمدة ثمان ساعات وكان الجو متجمدًا داخل الحافلة. لم يكن معنا إلا القليل من الماء والطعام، لكن كان عليّ تلبية احتياجات الأطفال في المراحيض.
وبحلول الساعة الثانية عشرة من انتظارنا، حلّ الظلام الدامس. وكلما طال انتظارنا أصبحنا أكثر برودة، ومع فقداننا الأمل باشر الأطفال بالبكاء. وبينما كانوا يبكون، غرقتُ في بحار الحيرة بشأن ما يجب فعله. لم تكن هناك طريقة يمكنني من خلالها شرح وضعنا لهم. لقد واجهوا مخاوف لا يمكن تصورها في سن مبكرة.
وبعد اثنين وعشرين ساعة، قلب النوم والجوع والاحتياجات والخوف عقولنا وأجسادنا رأسًا على عقب. اعتقدتُ أنني إذا نمت سيقتلون الجميع. بلغ قلبي الحلقوم عندما رأيت المسلحين يقتربون من الحافلة. في بعض الأحيان، شعرت بالرغبة في الصراخ قائلًا: "هذا يكفي، إذا كنت ستُقتل، فاقتل!"، لكنني كنتُ صبورًا، أفكر في مصير الأطفال الأيتام بجانبي.
في مرحلة ما، عندما كان هناك بعض النشاط من حولنا، اعتقدت أن الوقت قد حان وأنهم سيقتلوننا جميعًا. لأنه لم يتركوا شيئًا ما يفعلوه قبلًا."
تعرف العالم على "أسمر" والأيتام الذين رعاهم في قبوٍ بحلب. 47 طفلًا يتيمًا خاطبوا العالم عبر الفيديو من قبو مظلم، طالبين إنقاذهم من حصار حلب.
كفريق مؤسسة وقف الأيتام، نحن في مدينة في إدلب السوريّة. يحكي لنا "أسمر"، الذي نجى من الحصار في حلب، عن تجاربه في القبو حيث كان محاصرًا مع الأطفال الآخرين وفي الحافلة أثناء عملية الإخلاء. فتعرّف العالم على "أسمر" والأيتام الذين كان يرعاهم في قبو بحلب. 47 طفلًا يتيمًا خاطبوا العالم عبر الفيديو من قبو مظلم، طالبين إنقاذهم من حصار حلب. وبعد الاتفاقيات المماطلة، فُتح الممر الإنساني وأُنقذ الأطفال، ولكن بصعوبة بالغة.
هم آمنون الآن، وهم يستضيفوننا في قبو أحد المنازل. على سجادة رقيقة وموقدان وتسعة أسرة. هذه هي فقط بضعة قطع من أثاث في غرفة كبيرة. أسمر، مدير دار الأيتام، شاب لم يتجاوز الثلاثين من عمره. وبينما كان يشرح تجاربه في حلب، توقف فجأة وأشار إلى فتاة. رأسها مصاب وإحدى ساقيها في الجبيرة. وأوضح أنهم لم يعرفوا اسمها، لذلك أطلقوا عليها اسم "سيفرا".
لا أحد يعرف اسم "سيفرا" الحقيقي وعمرها. لقد فقدت عائلتها بأكملها في الغارة الجوية على حلب. ومن غير المعروف إلى أي عائلة تنتمي لأنها الوحيدة التي هربت من المبنى. وبعد أن تلقّت العلاج في المستشفى لفترة، نُقلت إلى دار للأيتام. ويقدّر أن عمرها كان سنة واحدة. أراد الأطفال الآخرون في دار الأيتام أن يطلقوا عليها اسم "سيفرا"، وهو يعني (الثورة). كما تعتقد سيفرا أن الأطفال في دار الأيتام هم إخوتها.
ثم يُشير أسمر إلى طفلة آخر. فتاة لطيفة عمرها 4-5 سنوات. وأوضح أن لديها قصة مماثلة. أطلقوا عليها اسم "سيما". تُركت "سيما" على عتبة بابهم قبل 4 أشهر. لا تستطيع المشي أو التحدث. هناك علامات على ساقيها. ومن غير المعروف ما الذي تعرضت له وما نوع الصدمة التي ألمّت بها بهذه الطريقة. هل والديها على قيد الحياة؟ ما اسمها الحقيقي؟ كم عمرها، لماذا هي هنا؟ كل هذه الأسئلة بلا إجابة مع شديد الأسف.
نصف الأطفال في دار الأيتام فقدوا أمهاتهم وآبائهم. كلهم أطفال في سن الحرب وترعرعوا مع الموت.
بعد قضاء بعض الوقت في إدلب مع الأطفال الأيتام، نعود إلى تركيا. نشهد آثار الحرب على طول الطريق. آلاف المنازل بلا مداخن ولا نوافذ ولا جدران؛ مئات المباني في حالة خراب. دُمّرت الشوارع بالدبابات والطائرات. كل شيء بقي غير مكتمل وكأنه مدينة أشباح! طوابق محطمة فوق المنازل المهجورة، محلات تجارية خاوية، زيجات منقوصة، آمال، أحلام، كل شيء مهشّم ومحطّم...
47 طفلاً تم إنقاذهم من منتصف الحرب أصبحوا الآن آمنين، لكن هل هذا خلاص حقيقي ونهائي؟ هل سيتمكن الأطفال الذين شهدوا الحرب والوفيات من تجاوزها بسهولة؟ تبدأ قصة مؤسسة وقف الأيتام بهذه الأسئلة، ولكنها لا تنتهي بسؤال "ما العمل؟"
وعندما أصبح المسار المتبع للبحث عن إجابات لهذه الأسئلة وإيجاد الحلول ملموسًا باسم مؤسسة وقف الأيتام، اشتدت الصراعات في حلب وأصبح آلاف الأشخاص تحت الحصار والأنقاض. وهكذا كانت الخطوة الأولى لمؤسستنا، هي الاستجابة لنداء الأطفال الأيتام المنتشرين من حلب وليس انتهاءً بأطراف العالم أجمع. إنّ هذه اليد الممتدة إلى سوريا اليوم ستصل قريباً إلى جميع أنحاء العالم بكل تأكيد، وستعمل مؤسسة وقف الأيتام على إصلاح قلوب الأطفال المضطهدين في كل أرجاء العالم.